النجف
الأشرف – مركز المرايا للدراسات والإعلام
شهدت
فعاليات المؤتمر العلمي الرابع لإحياء تراث أمير المؤمنين عليه السلام،
الذي نظمه مركز المرايا للدراسات والإعلام، مشاركة نوعية لبحثٍ تربوي حمل
عنوان:
«التحديات المعاصرة للتربية – معالجات
وحلول من فكر أمير المؤمنين علي (عليه السلام)»
قدّمته
الباحثة إيمان كامل عبدالله، ضمن محور التربية الأسرية والتحديات
الحديثة.
ويعد
هذا البحث واحداً من الدراسات التي تناولت بعمق واقع الأسرة العراقية والعربية
اليوم، وما تواجهه من ضغوط تربوية متزايدة، مقدّماً حلولاً عملية مستوحاة من منهج
الإمام علي (عليه السلام) في بناء الإنسان وإصلاح المجتمع.
مشكلة البحث وأهميته
توضح
الباحثة في مقدمة بحثها أنّ بناء الإنسان من أشرف المهمات وأصعبها، لاسيما في عصر
تتعدد فيه المؤثرات وتتسارع المتغيرات، وسط اكتساح واسع للتكنولوجيا والغزو
الثقافي وتراجع الحوار داخل الأسرة.
ومن
هذا المنطلق، سعت الدراسة إلى استيحاء منهج الإمام علي (عليه السلام)، بوصفه منهجاً
تربوياً متكاملاً يمتد جذوره في القرآن الكريم وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله)،
ويصلح أن يكون دستوراً لبناء شخصية سوية، رصينة، وفاعلة في المجتمع.
منهج البحث وأدواته
اعتمدت
الباحثة المنهج الوصفي التحليلي، مستندة إلى:
- آراء خبراء التربية وعلم
الاجتماع
- استبيان وُجّه لعيّنة من المربين
في العراق ومجتمع عربي آخر
- تحليل نصوص الإمام علي (ع) في
نهج البلاغة، ولا سيما وصيته لابنه الإمام الحسن (ع)
وتضمن
الاستبيان سؤالين محوريين:
- ما التحديات التي تواجه المربين
اليوم؟
- ما أسباب هذه التحديات؟
نتائج الاستبيان: واقع تربوي مقلق
أظهرت
نتائج الاستبيان أن التحديات تتوزع بين داخلية و خارجية:
أولاً: التحديات الداخلية (من داخل
الأسرة)
- قلة المعرفة التربوية لدى
الوالدين: 18%
- العناد وعدم الاحترام من الأبناء: 13%
- انشغال الوالدين وضعف الوقت
المتاح: 5%
- ضعف الالتزام الديني في الأسرة: 2%
ثانياً: التحديات الخارجية (من محيط
الطفل)
- التكنولوجيا ووسائل التواصل: 30%
- ضغط وتأثير المجتمع: 20%
- الأصدقاء ورفاق السوء: 11%
وترى
الباحثة أن هذه التحديات قديمة في أصلها، لكنها استفحلت في عصر الانفتاح الإعلامي
والتواصل اللحظي.
منهج الإمام علي (ع) في معالجة
التحديات
يقدم
البحث قراءة موسعة لأسس التربية في فكر الإمام علي (ع)، مستخرجاً رؤى تربوية عملية
تصلح لتطبيقها اليوم داخل الأسرة والمدرسة.
1- معالجة غياب المعرفة التربوية
تؤكد
الباحثة أن الإمام علي (ع) يقدّم في وصيته لابنه نموذجاً متكاملاً للتربية عبر:
- التعليم التدريجي
- اعتماد الحوار
- مراعاة مراحل النمو
- اعتماد القدوة العملية
وتشير
إلى أن قوله (ع):
«ولدك
ريحانتك سبعاً…»
يمثل خريطة
عمرية ذهبية لفهم احتياجات الطفل.
2- معالجة العناد والتمرد عند الأبناء
يستند
البحث إلى روايات أهل البيت (ع) في بيان أساليب الحكمة:
- الرحمة واللين في السنوات الأولى
- التربية القائمة على الاحترام
المتبادل
- التحاور والتفاهم لا الإكراه
- تعزيز الشعور بالأمان والحب لدى
الطفل
كما
يشير إلى أن العناد أحياناً علامة قوة شخصية، وليس شذوذاً سلوكياً.
3- مواجهة التكنولوجيا والغزو الثقافي
يبرز
البحث خطورة الاستخدام غير المنضبط للتكنولوجيا، ويربط ذلك بتحذير الإمام علي (ع)
من أن يُسبق المربي إلى عقل الطفل قبل أن يتحصن بالعلم الصحيح.
ويؤكد
أن الحل يكمن في:
- ضبط ساعات الاستخدام
- تقديم بدائل تربوية نافعة
- بناء وعي ديني وعقائدي مبكر
- تقوية الروابط العائلية والحوار
4- غرس القيم الدينية والسلوك العبادي
يبين
البحث أن الإمام علي (ع) وأهل البيت (ع) وضعوا منهجاً تربوياً واضحاً يقوم على:
- التدرج في تعويد الطفل على
الصلاة والصيام
- الربط بين العبادة والتهذيب
النفسي
- القدوة العملية داخل البيت
وتستشهد
الباحثة بقول الإمام علي (ع):
«مروا
صبيانكم بالصلاة…»
بوصفه
أساساً في بناء التزام روحي مستدام.
5- المجتمع والبيئة المؤثرة
توصي
الدراسة بتحصين الأبناء عبر:
- بناء شخصية قوية متوازنة
- تعليم مبادئ احترام الآخرين
- محاربة المقارنة الاجتماعية
- غرس القناعة لتجنب ضغوط الحياة
ومظاهر الرفاه الزائف
وتستند
الباحثة إلى الحكمة العلوية:
«اجعل
نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك…»
بوصفها
قاعدة أخلاقية لبناء علاقة سليمة مع المجتمع.
خلاصات وتوصيات البحث
خلصت
الباحثة إلى أن:
- منهج الإمام علي (ع) يمثل مشروعاً
تربوياً متكاملاً يتفوق على النظريات الغربية الحديثة في إنسانيتها
وشمولها.
- التحديات المعاصرة يمكن التغلب
عليها عبر الجمع بين العلم الحديث و الحكمة العلوية.
- الأسرة هي المحور الأول للحل، من
خلال:
- تنظيم الوقت
- الحوار
- إشاعة الحب
- البناء العقائدي
- التحكم بالتكنولوجيا
- ضرورة تعزيز ثقافة إحياء تراث
أهل البيت (ع) لما يحمل من حلول عملية وشاملة.
يمثل
بحث الاستاذة إيمان كامل عبد الله إضافة
علمية مهمة لمسار الدراسات التربوية في المؤتمر، لما يتضمنه من تحليل واقعي ورؤية
مستندة إلى تراث الإمام علي (ع)، ويمثل دعوة صريحة للعودة إلى النموذج التربوي
العلوي الذي أثبت قدرته على صناعة إنسان راشد، متزن، وصلب أمام تحديات العصر.
ويواصل
مركز المرايا للدراسات والإعلام نشر مثل هذه الأبحاث التي تعزز حضور تراث
أهل البيت (ع) في الفضاء العلمي المعاصر.