قدم الاستاذ الدكتور صالح الطائي، من
جامعة واسط، دراسة معمقة بعنوان: "دراسة في ضوء المنهج التربوي
للإمام عليّ (عليه السلام)" ضمن فعاليات المؤتمر العلمي الرابع
لإحياء تراث أمير المؤمنين (عليه السلام). وقد سلّط البحث الضوء على قدرة
المنهج التربوي للإمام علي (عليه السلام) على تقديم حلول جذرية لمعضلة الهوية
الذاتية للفرد المسلم في خضم التحديات المعاصرة كالعولمة، والهيمنة الرقمية،
والتفكك القيمي.
إشكالية البحث: الذات المهدورة في زمن الحداثة
السائلة
انطلق الباحث من إشكالية محورية تتمثل في أزمة الهوية الذاتية التي يعاني منها الإنسان المعاصر،
والتي تحوّلت - وفقاً لتحليلات فلسفية حديثة كـ (باومان) - إلى "مشروع مؤقت،
هش، قابل للتغيير والتخلي عنه بحسب مقتضيات السوق". وخلص البحث إلى أن الهوية
الذاتية المعاصرة تشكو من فقدان المعنى وتشظي الذات، وتحولها إلى واجهة ظاهرية تُصاغ عبر الإعلام
الرقمي دون عمق أخلاقي أو روحي.
سعى البحث لإثبات أن
المنهج التربوي العلوي، رغم مرور خمسة عشر قرناً، يمتلك الصلاحية ليصبح أساساً
لمعالجة أزمات الهوية الفردية والجماعية في عالمنا المعاصر، مقدماً بديلاً أصيلاً
لمواجهة التغريب والعدمية والاغتراب النفسي.
أركان المنهج العلوي في بناء الهوية (الجوهر
الثابت)
أكدت الدراسة أن المنهج العلوي يوفر أساساً متيناً لإعادة بناء الهوية الذاتية عبر أربعة أركان رئيسية:
1. الوعي الداخلي (معرفة النفس): الإمام علي (عليه السلام) جعل
معرفة النفس طريقاً لمعرفة الله تعالى، ومصداق ذلك قوله: "من عرف نفسه فقد
عرف ربّه".
وهذا يؤسس لهوية لا تكتمل إلا من خلال رحلة تأمل داخلي تكشف علّة
الوجود.
2. الحرية المسؤولة: رفض الإمام (عليه السلام) كل
أنواع الخضوع غير المشروع، موجهاً وصيته الخالدة لابنه الحسن (عليهما السلام):
"لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا". الحرية هنا هي جوهر الهوية، وهي مرتبطة
بمسؤولية تتجاوز الفردانية المطلقة للحداثة.
3. النقد والمحاسبة الذاتية: دعا الإمام (عليه السلام) إلى
ممارسة يومية للمحاسبة الذاتية، مثل قوله: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". وأشار الباحث إلى أن
هذا يلتقي في الظاهر مع مفهوم "تقنيات الذات"
عند الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، لكنه يتفوق بمرجعيته الروحية والإيمانية، التي
تمنح الهوية الداخلية معنىً جوهرياً خالداً.
4. الهوية الإنسانية الجامعة: وضع الإمام (عليه
السلام) قاعدة أخلاقية عالمية تتجاوز حدود الطائفة والقومية بقوله الشهير لمالك
الأشتر: "فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق".
وهي قاعدة تصلح كميثاق عالمي لمناهضة التمييز وبناء حوار الحضارات.
دعوة للشباب: مشروع عملي لإعادة بناء الذات
خلص الباحث إلى أن المنهج التربوي للإمام علي (عليه السلام) هو مشروع
عملي 7لإعادة بناء الهوية الذاتية والروحية في زمن
التحديات المعاصرة، مؤكداً أن إعادة بناء الهوية لا تكون باستيراد نماذج جاهزة، بل
بـ "اجتراح طريق ثالث" يستلهم من التراث ما يحيي، ومن الواقع ما يُصلح.
وبناءً على هذه
النتائج، أوصى الباحث بـ:
·
إعادة قراءة التراث العلوي بمنهج تحليلي ونقدي
معاصر لاستلهام حلول عملية لمشكلات الهوية العالمية.
·
توظيف المنهج العلوي في المناهج الدراسية
والبرامج التربوية لتعزيز بناء الذات الواعية والهوية الأخلاقية المتوازنة.
·
تفعيل دور الشباب في استيعاب هذا المنهج لإعادة الثقة بهويتهم
الروحية والإنسانية في مواجهة الهويات الزائفة.

