بحث باللغة الانكليزية يسلط الضوء على : منظور الإمام علي عليه السلام في التنشئة التربوية والتحديات المعاصرة

 


شارك البحث الموسوم «منظور الإمام علي عليه السلام في التنشئة التربوية والتحديات المعاصرة» للباحثة م.د أزهار حنون مسلط من مديرية تربية الكرخ الثانية / وزارة التربية في الجلسة الثانية لـ المؤتمر العلمي الرابع لإحياء تراث أمير المؤمنين عليه السلام التي كانت بالغة الانكليزية  ، مسلّطًا الضوء على راهنية الفكر العلوي في معالجة أزمات التربية والتعليم المعاصرة.

تستهل الباحثةُ دراستها بالتأكيد على أن التربية اليوم تعيش تحت ضغط متزايد بفعل التقدّم التكنولوجي السريع والعولمة وهيمنة النزعات المادية، ما أدى إلى تراجع البعد الروحي والأخلاقي وتفكّك الهوية لدى الأجيال الجديدة. وفي مقابل هذا الواقع، يقدّم الإمام علي عليه السلام – كما يبيّنه البحث – مشروعًا تربويًا متكاملًا ينطلق من العدالة، والتهذيب الأخلاقي، وصون كرامة الإنسان، ويحوّل التعليم من مجرّد تحصيل لشهادة إلى مسار لصناعة الإنسان الكامل.

ويركّز البحث على المركزية المحورية للمعرفة في فكر الإمام علي عليه السلام؛ فالعلوم – كما توضح الباحثة – لا قيمة لها إذا انفصلت عن العمل والالتزام الأخلاقي. فالإمام يربط بين العلم والمسؤولية، ويحذّر من خطورة تصدّر الجهّال لقيادة المجتمعات، ويجعل من الحكمة والبصيرة والعدل شروطًا أساسية لكل من يتصدّى للتعليم أو الحكم. وبذلك يتحوّل العلم في الرؤية العلوية إلى نور يحيي القلوب ويهدي إلى الحق لا إلى وسيلة للترف أو النفوذ.

وتبيّن الدراسة أن أحد أبرز إسهامات الإمام علي عليه السلام في ميدان التربية هو مواجهة النزعة المادية المعاصرة، حيث تُختزل نجاحات الطلبة اليوم في الدرجات والوظائف، بينما ينطلق الإمام من أن ميدان البناء الحقيقي هو الروح والضمير. فالتربية في نهجه تقوم على تعميق الوعي بالله، وتحرير الإنسان من عبودية المال والخوف من الفقر، وتربية المتعلم على أن مهنته – طبيبًا كان أو معلّمًا أو مهندسًا – هي تكليف أخلاقي وخدمة اجتماعية قبل أن تكون مصلحة شخصية.

ويتوقّف البحث عند جملة من التحديات التربوية الراهنة مثل أزمة الهوية، وتأثير الفضاء الرقمي، والعزلة النفسية لدى الشباب، ليقدّم في مقابلها رؤية الإمام علي عليه السلام القائمة على معرفة النفس، وضبط الشهوات، وبناء التوازن بين العقل والرغبة. فالمعرفة في هذا الإطار ليست تراكُمًا للمعلومات، بل وسيلة لحماية الإنسان من الضياع وضغوط التقليد الأعمى وثقافة الاستهلاك، عبر ترسيخ التأمل الذاتي والرقابة الباطنية.

كما يفرد البحث مساحة مهمّة للحديث عن الأسس الأخلاقية للتنشئة في فكر الإمام، فيتوقّف عند مفاهيم: التقوى، والعدل، والصدق، والتواضع، بوصفها ركائز لا بد منها في شخصية المربّي والمتعلّم على حدّ سواء. ويستعرض نماذج من سيرة الإمام في إدارة المال العام، والتفريق بين الحق الخاص والعام، واحترام كرامة الإنسان، ليؤكد أن بناء الطالب الصالح يبدأ من قدوة المعلّم والمسؤول وليس من المناهج وحدها.

وفي محور آخر، تؤكد الباحثة أن الإمام علي عليه السلام ينظر إلى الأسرة بوصفها المدرسة الأولى للتربية الروحية والأخلاقية، وأن قلب الطفل «أرض خالية» يتلقّى ما يُزرع فيه من قيم منذ الصغر. ومن هنا يشدّد البحث على دور الوالدين في غرس الصدق والرحمة والانضباط، وعلى أن نجاح المنظومة التربوية لا يتحقق من دون أسر متماسكةٍ تقوم على الاحترام المتبادل، وحسن المعاشرة، والقدوة العملية في السلوك اليومي.

ويمتدّ البحث ليعالج قضية العدالة الاجتماعية في التعليم من منظور علوي، مبيّنًا أن الناس «إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، وأن المعرفة حقّ إنساني ينبغي أن يتاح للجميع بعيدًا عن احتكار الطبقات المقتدرة. وتربط الباحثة بين هذه الرؤية وبين الدعوة المعاصرة إلى تعليم منصف يراعي حاجات الفقراء والفئات الهشّة، ويمنحهم فرصًا حقيقية للنهوض، لا مجرّد شعارات شكلية.


وتولي الدراسة اهتمامًا خاصًا بـمكانة المعلّم في فكر الإمام علي عليه السلام، إذ تصفه بالأمين على عقول الناشئة وأرواحهم، وتؤكد أن التعليم عند الإمام «رسالة» لا وظيفة، تقوم على الإخلاص والتواضع، وربط العلم بالعمل، وتحفيز الطلبة على التفكير الحر والنقاش الهادئ بدل التلقين والجمود. كما تستعرض نماذج من رسائل الإمام إلى ولاته وتوجيهاته في اختيار العلماء والحكماء للمواقع التربوية والقضائية.

وتخلص الباحثة في ختام بحثها إلى أن فكر الإمام علي عليه السلام يقدّم إطارًا تربويًا متكاملًا يصلح أساسًا لإصلاح التعليم المعاصر؛ فهو يجمع بين بناء العقل والروح، وبين العلم والأخلاق، وبين حقوق الفرد ومسؤولية المجتمع. وتوصي بضرورة إدماج مبادئ هذا التراث في المناهج التربوية وبرامج إعداد المعلّمين، وإطلاق مبادرات بحثية وتربوية تعيد وصل الجامعة والمدرسة والأسرة بمنابع الحكمة العلوية، بما يسهم في تخريج جيل كفوء ومهني، وفي الوقت نفسه إنساني ومتوازن وملتزم بقيم العدالة والرحمة وخدمة الإنسان.

 

أحدث أقدم