باحثتان من جابعة بابل تؤكدان ان :خطاب الإمام علي (عليه السلام) يكشف الانحراف الاجتماعي في ضوء التحليل النقدي للخطاب

 


شارك البحث الموسوم «التحليل النقدي للانحراف الاجتماعي في خطب الإمام علي (عليه السلام) – A Critical Discourse Analysis of Social Deviance in Al-Imam Ali's Speech» للباحثة الأستاذة الدكتورة زينة عبد حسين خضير من جامعة بابل / كلية التربية للعلوم الإنسانية، وبمشاركة م.م. زهراء كريم غنّام من كلية الإدارة والاقتصاد – جامعة بابل وم.م. زينب كريم غنّام من وزارة التربية، في جلسات المؤتمر العلمي الرابع لإحياء تراث أمير المؤمنين (عليه السلام

يركّز البحث على مفهوم الانحراف الاجتماعي بوصفه سلوكاً يخرج عن الأعراف والمعايير السائدة في المجتمع، محاولاً الإجابة عن أسئلة محورية من قبيل: ما الانحراف الاجتماعي؟ وكيف تُسهم خطب الإمام علي (عليه السلام) في فضح هذا الانحراف وتقويمه؟ وتُبرز الباحثات أن الانحراف لا ينفصل عن البيئة الاجتماعية والثقافية، بل يتشكّل داخلها ومن خلال صراع القيم والمصالح، وأن ما يُعدّ سلوكاً طبيعياً في ثقافةٍ ما قد يُوصَف بالانحراف في ثقافة أخرى.


اعتمدت الدراسة منهج التحليل النقدي للخطاب (CDA) وفق نموذج فيركلاف (1995)، الذي يجمع بين المستوى الميكروي (التحليل اللغوي والبلاغي والنحوي للنص) والمستوى الماكروي (التحليل الاجتماعي والأيديولوجي وسياق الخطاب). وتطبيقاً لهذا النموذج، حلّلت الباحثات إحدى خطب الإمام علي (عليه السلام) التي يحذّر فيها من الاغترار بالدنيا وطول الأمل، ويؤكّد على التوبة والعمل الصالح قبل حلول الأجل، بوصفها خطاباً يعالج جذور الانحراف عن المنظومة القيمية الإسلامية.

على المستوى اللغوي والبلاغي، يكشف البحث عن توظيفٍ كثيف لوسائل مثل التكرار، الاستفهام البلاغي، التقابل (الطباق)، الاستعارة، الكناية، التشبيه، والأسئلة المحفِّزة للضمير؛ إذ ترد تعابير من قبيل: «أَفَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ»

، و*«أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ»*، في نسقٍ بلاغي يوقظ الوجدان ويضع المستمع أمام مسؤوليته الأخلاقية. وتبيّن الدراسة أن الإمام (عليه السلام) يستخدم المجاز والتصوير الحركي مثل تشبيه الدنيا بـ«المضمار» والآخرة بـ«السباق» والجائزة بالجنة والنهاية بالنار، ليحوّل المفاهيم التجريدية كالمصير والجزاء إلى صور حيّة قريبة من حسّ المتلقّي

أما في المستوى الأيديولوجي والاجتماعي، فيُظهر البحث كيف يميّز الإمام علي (عليه السلام) بين «فئة ملتزمة بالهدي الإلهي» (In-group) وأخرى منحرفة تتبع الهوى وطول الأمل (Out-group)، مع ما يترتب على هذا الانقسام من آثار خطيرة على العدالة الاجتماعية، والالتزام الأخلاقي، وبنية المجتمع الإسلامي. وتخلص الدراسة إلى أن خطاب الإمام لا يكتفي بالوعظ، بل يقدّم مشروعاً إصلاحياً متكاملاً يعيد ربط الفرد بالقيم الإلهية، ويعالج الانحراف بوصفه ظاهرة ناتجة عن اختلال في منظومة السلطة والقيم والمعايير.

وتؤكد الباحثات في خاتمة البحث أن دمج أدوات التحليل اللغوي والبلاغي مع القراءة الاجتماعية والأيديولوجية يتيح فهماً أعمق لتراث الإمام علي (عليه السلام) بوصفه خطاباً حيًّا قادراً على مواجهة صور الانحراف الاجتماعي في كل زمان، لا في عصره فقط. وتوصي الدراسة بضرورة الإفادة من هذا التراث في برامج التربية الدينية، ومناهج اللغة الإنجليزية وتحليل الخطاب، والدراسات الاجتماعية، من أجل ترسيخ وعي نقدي يحصّن الأجيال الشابة من الانحراف عن القيم، ويمنح الباحثين نموذجاً متقدماً في توظيف المناهج اللسانية الحديثة لخدمة النصوص الدينية والتراثية.

أحدث أقدم